في يوم من أيام الشتاء القارص البرودة كان ينام الطفل الصغير تحت غزارة المطر لا يجد ما يلتحف به ، يغطي حسده الصغير بنطال ممزق لا يكاد يستر عورته ،يحتمي بمقعد من المقاعد العامة في شوارع المدينة ، اقترب منه كلب ضال يشاركه الشعور بالبرد فنام بجانبه يتدفئ به ، وحالما بدأت الشمس تنشر دفئها وحرارتها وأشعتها استيقظ من نومه ، وهام يبحث عن كسرة خبز يملأ بها جوفه أو شربه ماء يروي بها ظمأه والكلب يرافقه ولكنه لم يكن سعيداً بوجوده معه وكثيراً ما كان يركله بقدمه ليبتعد عنه ولكنه ظل ملازماً له ، كان يطوف بصناديق القمامة يفتش فيها عن طعام باق ، ويدق البيوت ليشحذ ولو ملابس بالية يستر بها جسدة الصغير ، ويلف الدكاكين و المحلات عله يعثر على عمل يقتات منه أو يجد من يعطف عليه ويرأف بحاله ،لكن الحياة أصرت علي القسوة عليه فلم ييأس بل أصر وعزم علي الخروج من تلك الحياة البائسة ، حتى قبل أحد أصحاب المحلات أ، يعمل عنده في مقابل المأوى والسكن في ذلك المحل وأعطاه ملابساً لولده الذي كان في مثل عمره تقريباً ، وكان الرجل عندما يستيقظ لصلاة الفجر يصطحبه معه إلى المسجد ليصلي الفجر جماعة ليبارك الله له في رزقه و بعد الصلاة يذهب ليبدأعمله فيعمل الفتي بجد و نشاط يوماً بعد يوم وثقة رب عمله تزداد فيه فكان يعطيه طعاماً وماءاً يومياً و جزءاً من المال وكان الفتي يحتفظ بذلك المال وكان يشتري بذلك في نهاية كل شهر كتاباً ليتعلم فقد كان حريصاً على العلم ولم يكن رب عمله على علم بذلك حتي وجد في يوم كتاباً مما يشتريه الفتى فكان يجعل ابنه يجلس معه في أوقات فراغه ليعلمه مما يتعلم وقد كان ذلك الفتى يملك عقلا حكيماً وذكيا فكان يتعلم بسرعة ويكتسب خبرته مما يتعرض له من المواقف وفي أحد الأيام أثناء عودته من الصلاة قبل طلوع الشمس انزلقت قدمه في الظلام وأصبح يئن من الألم وأحس بشئ يقتربمنه لكنه لم يعرف ما هو حتى استطاع رؤيته بوضوح فوجده ذلك الكلب الذي كان يرافقه وقد أسرع ليحضر له المساعده فحضر صاحب المحل و حمله إلى منزله وأسرعت زوجته تضمد جراحه و تحيط قدمه الصغيرة برباط طبي ولم ينزل للعمل عدة أيام حتى شفيت قدمه وأعاد استئناف عمله بعدما أصبح صاحب العمل يعتبره كابنه يحن عليه و يعطف عليه ، لايحضر لولده شيئا إلا ويحضر له مثله ، وبمرور الأيام أصبح الفتي شاباً قوياً يعتمد عليه ، يملك من الخبرة و المهارة ما يزيد على من يكبرونه سناً ورأى ذلك الكلب في يوم وهو يكاد يهلك من العطش و الجوع وتذكر مساعدته له ، وكيف أنه لم يكن يجد ما يأكله مثله فأعطاه جزءاًمن طعامه وطلب من صاحب المحل أن يأذن له بأن يبيت ذلك الكلب معه في دكانه ، فوافق ، وشكره على ذلك ، و أصبح ذلك الكلب رفيقاً له في كل مكان لايتركه أبداً ، وازداد عمل الشاب وكثر المال معه فاستأذن من صاحب المحل أن يكون له محله الخاص به ، فلم يعترض بل قدم له المساعدة حتى صار صاحب أكبر محل من نوعه في المنطقه التي يقطن بها ، ولكن لم ينس أبداً من كان سبباً في ذلك ، وكان يزوره دوماً ليتزود من خبرته و يعرف منه كيف يصبح تاجراً ذا صيت واسع و كبير ولم يغب عن عقله أن الله رأف به عندما أعطاه ذلك الرجل ليكون عوناً له و يكون معوضاً له عن غياب والده ، ولم ينس أيضاً أن فضل الله الواسع ورحمته هما سبب ما هو فيه الآن وظل يشكر الله على ذلك فيما بقي من عمره وكان كلما تذكر طفولته البائسة ازداد عطفه وحنانه على من هم يعانون مثلما عانى هو وأنشأ دوراً لرعاية الأيتام بعدما صار يملك من المال الكثير . وهكذا كانت رحمة الله وعطف وحنان أحد عباد الله في الأرض سبباً في حماية ذلك الطفل من شرور الشارع وضلال أصدقاء السوء وأيضاً في حماية العديد من الأطفال الآخرين على يد ذلك الشاب التقي العاقل ،فكانوا كما قال الله - تعالى - في كتابه :" كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر "
صدق الله العظيم
صدق الله العظيم